محمد بابكر يكتب: قبل إعادة بناء وإعمار السودان يجب إعادة بناء الشعب السوداني نفسيا

يمر الشعب السوداني بمرحلة عصيبة في تاريخه الحديث، حيث خلفت حرب مليشيا الدعم السريع المتمردة آثاراً عميقة على كافة جوانب الحياة، من انهيار للاقتصاد وتدمير للبنية التحتية وتمزق النسيج الاجتماعي و لم تقتصر تداعيات تلك الحرب على الخسائر المادية والبشرية المباشرة فحسب، بل امتدت لتطال الصحة النفسية للملايين من شعبنا الابئ تاركةً وراءها ندوباً عميقة قد لا تلتئم بسهولة.
في ظل هذه الظروف القاسية، تبرز الحاجة الماسة إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي كركيزة أساسية للتعافي وإعادة بناء المجتمع.
إن الأثر النفسي للحرب على الشعب السوداني، يؤكد الأهمية القصوى لتفعيل دور وزارة التنمية الاجتماعية في هذا الصدد، مع الاستعانة بالخبرات المتخصصة في مجال علم النفس مثل الدكتور معاذ شرفي كنموذج يحتذى به في تقديم الدعم النفسي في أوقات الأزمات.
لقد أدت الحرب التي اشعلتها مليشيا الدعم السريع المتمردة في السودان إلى تداعيات كارثية على الشعب السوداني، حيث أثرت بشكل مباشر على حياتهم اليومية وصحتهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
و تشير التقارير إلى أن النزاع تسبب في نزوح الملايين داخلياً وخارجياً، مما أدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة
تعتبر الآثار النفسية للحرب من أخطر التداعيات وأكثرها استدامة. حيث يعاني العديد من السودانيين من اضطرابات نفسية حادة نتيجة التعرض( للعنف، فقدان الأحباء، تدمير الممتلكات، والنزوح ) . تشمل هذه الاضطرابات القلق والاكتئاب حيث يعيش الكثيرون في حالة قلق دائم على مستقبلهم ومستقبل أسرهم، بالإضافة إلى شعور عميق بالاكتئاب نتيجة اليأس وفقدان الأمل
يتعرض الناجون من العنف والشهود على الفظائع لصدمات نفسية عميقة قد تتطور إلى اضطراب ما بعد الصدمة، والذي يتجلى في الكوابيس، استعادة الذكريات المؤلمة، وتجنب المواقف التي تذكرهم بالصدمة
يعاني الكثيرون من الأرق وصعوبة النوم نتيجة التفكير المستمر في الأحداث المؤلمة والخوف من المجهول
كما يتأثر الأطفال بشكل خاص بالحرب، حيث تظهر عليهم مشاكل سلوكية مثل العدوانية، الانعزال، التبول اللاإرادي، وصعوبات التعلم
تسببت الحرب في تفكك النسيج الاجتماعي السوداني، حيث أدت إلى النزوح وفقدان الروابط الأسرية المجتمعية وأجبرت المليشيا المتمردة الملايين من السودانيين على ترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أخرى، مما أدى إلى تشتت الأسر وفقدان الروابط الاجتماعية التي كانت توفر الدعم والحماية لهم.
أيضا شهدت مناطق النزاع ارتفاعاً في حالات العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي، مما يترك آثاراً نفسية وجسدية مدمرة
دمرت الحرب البنية التحتية للخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة،والمياه والكهرباء مما زاد من معاناة السكان وحرمهم من أبسط حقوقهم حتى الذين عادو الي ديارهم ظل يعانون من عدم وجود خدمات الكهرباء والمياه.
دمرت الحرب الاقتصاد السوداني، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر وتدهور الأوضاع المعيشية. وفي تصريح خاص كنت حينها قد أجريت مقابلة مع امين ديوان الزكاة بولاية البحر الأحمر الذي ذكر لي في احد اجابته ان عدد من ميسوري الحال نزحو الي بورتسودان كانو قبل الحرب يخرجون من أموالهم زكاة لتوزع على الفقراء اما الان فقداصبحو فقراء يتقبلون الزكاة.
لقد تعمدت المليشيا المتمردة افقار المواطن وارهابه فقد وجهت الجهات الداعمة للمليشيا بضرورة طرد المواطن واذلاله بعد نهب أمواله وممتلكاته
القطاع الصحي أيضا لم ينجو فقد تعرضت المستشفيات والمراكز الصحية للتدمير الممنهج و النقص الحاد في الإمدادات والموظفين، مما فاقم من الأزمة الصحية.
تبرز الحاجة الملحة لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، أو ما يمكن تسميته بـ ‘الجرعات النفسية لتمكين الشعب السوداني من تجاوز الصدمات والبدء في عملية التعافي.
إن حجم المشكلة كبير، حيث تشير التقديرات إلى أن ملايين الأشخاص في السودان بحاجة ماسة إلى خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي
فقد تاثرت جميع فئات المجتمع بالحرب، ولكن هناك فئات معينة تكون أكثر عرضة للمخاطر النفسية وتحتاج إلى اهتمام خاص هم الأطفال لانهم الأكثر هشاشة وتأثرا بالصراعات، حيث يتعرضون( للعنف، النزوح، فقدان التعليم، وفقدان الأمان،) مما يؤثر على نموهم النفسي والعاطفي
أيضا النساء اللائ تعرضن لمخاطر مضاعفة خلال فترة الحرب بما في ذلك( العنف الجنسي وفقدان المعيل والمسؤولية الكاملة عن رعاية الأسر في ظروف صعبة،) مما يزيد من معاناتهن النفسية
يعاني النازحون واللاجئون من (صدمة النزوح، فقدان الممتلكات، العيش في ظروف غير إنسانية، وعدم اليقين بشأن المستقبل،) مما يجعلهم عرضة للاكتئاب والقلق واضطرابات ما بعدالصدمة الأشخاص ذوو الإعاقة وكبار السن يواجهون تحديات إضافية في الوصول إلى المساعدات والخدمات، ويكونون أكثر عرضة للإهمال
يعد التدخل النفسي المبكر أمراً حيوياً للحد من الآثار طويلة المدى للصدمات النفسية. فكلما تم تقديم الدعم النفسي في وقت مبكر، زادت فرص التعافي وتقليل المضاعفات النفسية و يشمل التدخل المبكر تقديم الإسعافات الأولية النفسيةو توفير مساحات آمنة للدعم النفسي
إن غياب الدعم النفسي الكافي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلات النفسية، مما يعيق عملية التعافي الشاملة للمجتمع ويعرض الأجيال القادمة لمخاطر صحية ونفسية كبيرة
ان وزارة التنمية الاجتماعية في السودان تضطلع بدور حيوي في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين من الحرب، وذلك من خلال برامج وورش عمل تستهدف إعادة التوازن للشخصية السودانية. وقد قامت الوزارة بتدريب مدربين في الدعم النفسي والاجتماعي وإدارة المساحات الصديقة للأطفال كما تسعى الوزارة، ممثلة في مجلس رعاية الطفولة، لتنفيذ برامج دعم نفسي واجتماعي للطلاب الممتحنين للشهادة الثانوية هذه الايام
أيضا يمكن استعانة وزارة التنمية الاجتماعية بالخبير النفسي د معاذ شرفي الذي كان يعمل في دولة الإمارات باجر كبير وعند اندلاع الحرب تخلي عن وظيفته وعاد لأرض الوطن ليعمل وسط اهله من السودانيين حيث قال السودان أولى بخدماتنا من غيره.
على الرغم من الجهود المبذولة، تواجه وزارة التنمية الاجتماعية تحديات كبيرة في تلبية الاحتياجات الهائلة للدعم النفسي في السودان، ومن أبرز هذه التحديات النقص الحاد في الكوادر المتخصصة هناك نقص كبير في عدد الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين المؤهلين لتقديم الدعم اللازم
تفتقر العديد من المناطق، خاصة المتضررة من النزاع، إلى المراكز والمؤسسات المتخصصة في الصحة النفسية كما
تعاني برامج الدعم النفسي من نقص في التمويل، مما يعيق توسيع نطاق الخدمات.
لتفعيل دور وزارة التنمية الاجتماعية يجب توفير الأطباء النفسيين والأخصائيين
يجب على الوزارة العمل على زيادة عدد الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين من خلال برامج تدريب وتأهيل مكثفة
وتشجيع الكوادر الشابة على التخصص في هذا المجال
يجب إنشاء مراكز دعم نفسي في المناطق المتضررة ومراكز الإيواء، تكون مجهزة بالكوادر والموارد اللازمة لتقديم خدمات الإسعافات الأولية النفسية، والعلاج النفسي تطوير برامج توعية شاملة
يجب إطلاق حملات توعية وطنية حول أهمية الصحة النفسية
في ظل التحديات النفسية الهائلة التي يواجهها الشعب السوداني، تبرز جهود بعض الأفراد والمبادرات المجتمعية كمنارات أمل. ومن بين هؤلاء، يبرز اسم الدكتور معاذ شرفي، اختصاصي الأمراض النفسية للأطفال والشباب وخبير إدارة الكوارث والحروب، كنموذج يحتذى به في تقديم الدعم النفسي في السودان.
فلقد كرس الدكتور معاذ شرفي جهوده لرفع الوعي بالصحة النفسية وتقديم الدعم للمتضررين من الحرب، وذلك من خلال مبادرات متنوعة حيث يقدم الدكتور معاذ شرفي خدماته في عيادات الصحة النفسية، مما يوفر فرصة للمتضررين للحصول على الاستشارات.
يشارك الدكتور شرفي بفعالية في تقديم المحاضرات وورش العمل التوعوية حول الصحة النفسية، مستهدفاً فئات مختلفة من المجتمع، بما في ذلك المتضررين في مراكز الإيواء.
يحرص الدكتور معاذ على استخدام المنصات الإعلامية المختلفة، مثل يوتيوب وتيك توك وفيسبوك، لنشر الوعي حول الصحة النفسية، وتبسيط المفاهيم النفسية، وتقديم نصائح عملية للتعامل مع الضغوط النفسية الناتجة عن الحرب يولي الدكتور شرفي اهتماماً خاصاً للأطفال والشباب، مدركاً مدى تأثير الحرب على صحتهم النفسية، ويقدم لهم الدعم المتخصص الذي يحتاجونه إن جهود الدكتور معاذ شرفي تمثل نموذجاً حياً لكيفية مساهمة الأفراد المتخصصين في التخفيف من معاناة المجتمع في أوقات الأزمات. يمكن الاستفادة من خبراته وتعميمها من خلال دعم المبادرات الفردية والمجتمعية يجب على الجهات الحكومية والمنظمات الدولية دعم المبادرات الفردية والمجتمعية التي تعمل في مجال الصحة النفسية، وتوفير الموارد اللازمة لها لتوسيع نطاق عملها.
يمكن للدكتور معاذ شرفي وغيره من الخبراء المساهمة في بناء قدرات الكوادر المحلية من خلال برامج تدريب متخصصة،
ويجب على الدولة الاستفادة من تلك الخبرات والاستعانة به في وزارة التنمية الاجتماعيةمما يضمن استدامة خدمات الدعم النفسي على المدى الطويل.
يجب توثيق التجارب الناجحة مثل تجربة الدكتور معاذ شرفي ونشرها للاستفادة منها في تطوير برامج ومبادرات أخرى في مناطق مختلفة.
إن الوضع الراهن في السودان يتطلب استجابة شاملة ومتكاملة لمعالجة الآثار النفسية والاجتماعية للحرب. لا يمكن تحقيق التعافي الحقيقي وإعادة البناء دون إيلاء اهتمام خاص للصحة النفسية للمواطنين.
إن تتفاقم الأزمة النفسية في السودان بسبب النقص الحاد في مؤسسات الصحة النفسية والأطباء والأخصائيين النفسيين. فقبل اندلاع الحرب، كان عدد الأطباء النفسيين في السودان لا يتجاوز 60 طبيبًا، ولم يتبق منهم حاليًا سوى 20 طبيبًا فقط، مما يعني أن هناك طبيبًا نفسيًا واحدًا لكل 2.5 مليون شخص، وهو رقم مفزع مقارنة بالمتوسط العالمي. هذا النقص الحاد في الكوادر والمؤسسات الصحية يجعل مئات الآلاف من المتضررين من الحرب يفتقرون إلى الدعم النفسي اللازم، مما يزيد من خطر حدوث مضاعفات نفسية أكبر على المدى الطويل. وقد أظهرت الاستبيانات أن غالبية المتضررين لم يحصلوا على أي دعم نفسي رغم حاجتهم الماسة إليه.
عليه يجب أن تتضافر جهود الحكومة السودانية وزارة التنمية الاجتماعيةو المنظمات الدوليةو منظمات المجتمع المدني، والأفراد المتخصصين لإنشاء نظام متكامل للدعم النفسي والاجتماعي.
نتمنى من الدولة تخصيص ميزانيات كافية لتدريب الكوادر،و إنشاء المراكز، وتوفير الخدمات النفسية في جميع أنحاء البلاد، خاصة في المناطق الأكثر تضرراً
و دمج خدمات الصحة النفسية في الرعاية الصحية الأولية و التعليم، وبرامج الإغاثة الإنسانية لضمان وصولها إلى أكبر عدد ممكن من المتضررين
وإطلاق حملات توعية مستمرة لكسر الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالصحة النفسية وتشجيع الأفراد لطلب الدعم النفسي وتوسيع نطاق عمل الخبراء المحليين.
إن الصحة النفسية ليست رفاهية بل هي حق أساسي وضرورة قصوى لتمكين الشعب السوداني من تجاوز محنة الحرب والبدء في بناء مستقبل أفضل حتى يتمكن من إعادة إعمار السودان بعد
التعافي النفسي والاجتماعي هو حجر الزاوية في عملية إعادة الإعمار الشاملة،
تمنياتنا لمستقبل السودان بان يتعافى نفسياً واجتماعياً، ينعم فيه مواطنوه بالسلام والاستقرار والرفاهية.



