مقالات

الطيب صالح.. الوجه النبيل (1-2)

إبراهيم القرشي:

ما ستطالعونه هنا هو جزء من مقدمتي للأعمال القصصية والروائية الكاملة للراحل المقيم الأستاذ الطيب صالح التي تشرفت بكتابتها في 25 يناير سنة 2010م. ومن حسنات الطيب صالح الكثيرة ومن أياديه البيصاء عليَّ انا شخصياً، أنه – عليه سحائب الرحمة- عرفني على رجل نادر من طينته، محب للأدب والثقافة محب للطيب صالح، هو الراحل المقيم محمود صالح عثمان صالح راعي مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي وأبوالمركز الروحي والمشرف العام عليه وسأعود إليه وإلى منارته الثقافية الشامخة.
بعد الرحيل المر للطيب صالح عزم الأستاذ محمود صالح، على نشر الأعمال الكاملة للطيب، فكلفني كتابةَ المقدمة دون العالمين وتلك قصة أخرى قد نعود إليها، غير أن تفاعل القراء مع حديث الأستاذ عبدالله الناصر، بالأمس أغراني باستكمال مابدأه زيادة في التعريف. وسأقتطع جزءأً يسيرا من المقدمة التي وقعت في خمس وعشرين صفحة ومن شاء مطالعتها كاملة في أصلها فليفعل.
قلت حرفياً فيما يتعلق بتديُّن الطيب : (مقدمة الأعمال الكاملة.. الروايات والقصص: ص 20 ):”هذا ، وقد لفتُّ في بعض مقالاتي إلى تدين الطيب صالح وأثر الإسلام في كتاباته، فابتدر الراية بعض الإخوة واجتهدوا ولكنهم لم يقعوا على أكثر ما أردت، وسأوفيه حقه بإذن الله إن كان في العمر فسحة، لكن لفتت نظري عبارة الدكتور زين العابدين في محاضرته في جدة وأوردها دكتور يوسف نور عوض، وهي قوله :
“الطيب صالح كاتب إسلامي في الدرجة الأولى”.

وأنا أستميح القارئ أن يتابع معي هذه القطوف من كتابات الطيب صالح :
1/ ” أقول لمن أحاور من إخواننا النصارى : اقرأوا قصة ميلاد السيد المسيح في أناجيلكم ثم قارنوا ذلك بسورة مريم، انظروا أي جلال وأي روعة وأي إعجاز في سورة مريم؟! سورة تبدأ بالرحمة وتنتشر الرحمة في ثناياها، وصفة الله فيها (الرحمن)، كأنها سيمفونية موسيقية كبرى. وحين تصل إلى الآية الكريمة: (قال كذلك قال ربك هو عليَّ هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضيا) حينئذ تدرك كيف تجتمع معاني الأسى و الشجن والحزن وفرح البشرى وأكثر من ذلك في معنى واحد. إنني أجد كل هذه المعاني مجسمة حين أستمع إلى سورة مريم بصوت الشيخ محمد رفعت والشيخ عبدالرحمن الدوري ، رحمهما الله ، الأول أمير المقرئين بلا شك ، ولكني أجد في صوت الدوري حلاوة لا أجدها في أصوات مقرئين أكثر منه شهرة. وأنت لا تصادفه كثيرا.ومن الإذاعات القليلة التي تذيع قراءته إذاعة القرآن الكريم من مكة المكرمة ، وقد كنت أداوم على سماعها أيام إقامتي بالدوحة…” [المختارات: 81/8] 2/ ” حين تدلهم الخطوب أتعزَّى بعد كتاب الله وسيرة الرسول الأمين ، أعظم من أظلته السماء وأقلته الغبراء ، أتعزى بشعر العرب”[المختارات : 9/8] 3/ ” كان رجلا عجيباً. كان يؤمنا في الصلاة ويرتل القرآن بصوت جميل بقراءة ورش..”[المختارات: 56/7] 4/ ” وقال في حديثه عن إبراهبم أبو ناب الذي يترجم القرآن من عشر سنين : ” ذلكم إبراهيم أبو ناب ، من الناس الذين يمشون على الأرص هونا..القبيل الذين يحبهم قلبي وتطيب لي صحبتهم وأرجو أن أحشر في زمرتهم..” [المختارات : 16/8] 5/ وفي حديثه عن أحد علماء الفيزياء قال : ” لم أساله إن كان يحفظ القرآن الكريم. لكنني أرجح ذلك ؛ فوجهه يشع بضوء القرآن وحركاته وسكناته وأسلوبه في العيش كأنها أضواء لآيات الكتاب المبين. وأثر القرآن واضح في أسلوبه العربي الرصين حتى حين يكتب او يحاضر في قضايا علمية معقدة…”
6/ وفي حديثه عن بعض الشأن السوداني يقول : “سودان الرجال الذين مشوا على الأرض هونا ودفعوا بالتي هي أحسن ، وربطوا البطون على الطوى ، تحسبهم أغنياء من التعفف ، بسامون في الضحوات ، بكاءون من خشية الله بالعشيات ، متحزمون ملتزمون في الملمات. علموا ان العدل والرحمة صنوان..(وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا اعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لانبتغي الجاهلين) [المختارات : 10/3] 7/ وفي تحليقه في محبة عمر بن الخطاب وآله يقول:
” ليتني غفر الله لي أكون ولو ممسكاً بخطام بعير سيدنا عبدالله بن عمر ، رضي الله عنهما”[المختارات: 43/1] قصدت من القطوف السابقة أن اوردها دون تعليق. وفيها الطيب الداعية بمسلكه. الطيب الذي يقرأ القرآن ويستمع إليه ويعرف قراءاته ورواياته وقراءه ورواتهم..
وكما كان الطيب فخما في كل شيئ ، كان فخما في تدينه: ” كان يحلو لي أن أصلي العشاء في ذلك المسجد القريب من الهوتيل..صوت الإمام حنون حزين.يرتل القرآن برواية ورش. أراه نظيف الثياب ، حسن الهندام ، مؤتزرًا إزاراً يمانياً ، وعلى راسه الطاقية الصومالية المزركشة…” [المختارات : 112/8].
يلتقي قارئ كتابات الطيب صالح بالقرآن كثيرا ؛ بنصه او بألفاظه أو بمعانيه : (فهزموهم شر هزيمة ومزقوهم شر ممزق) .[المختارات : 48/4] ” إنك لن تستطيع معي صبرا ، فوراء هذه البيداء جبال)
[مريود : 82] وكثيرا ما يورد الطيب صالح الآية صريحة كاملة ، ولكن ما أكثر ما يذيب الآيات وينشرها في كلامه كأنما يتبرك بها ؛ فتكسو جمله إشراقا وتمنحها عمقا وتزيدها متانة :
” هؤلاء كانوا غرساً ناشئاً على أيامي ، فأسعدني أنني وجدتهم قد استووا على سوقهم يعجب الزراع نباتهم…”[المختارات :121/3] ” وهم انواع منهم الصالحون ومنهم دون ذلك كانوا طرائق قددا…”
ونواصل إن شاء الله.

20/7/2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق