مقالات

مقاربات في إدارة الانتقال الديمقراطي في السودان

بقلم/ عبدالله خيرالله مساعد:

تسود الساحة السياسية السودانية هذه الأيام ، حالة من التذبذب وفوضى إنقسامات حادة، خاصة بعد إعلان المؤسسة العسكرية انسحابها من العملية السياسية. ألقت تداعيات هذه الانقسامات بظلال سلبية على مجمل العلاقات البينية بين مكونات الجبهة المدنية، واصبحت العلاقة بينها تراوح ما بين الشد والجذب وانعدام الثقة وتفشي خطاب الكراهية.

تمظهرت هذه الانقسامات في خلافات النخب السياسية حول مفهوم من هو الأحق والأجدر بادارة الفترة الانتقالية وتوجيه بوصلتها. وحسب مراقبين، فإن استمرار حالة الانقسامات هذه، داخل القوى المدنية، من شأنها ان تساهم في إطالة عمر الأزمة الراهنة التى تمر بها البلاد، وربما تهدد مكتسبات فترة الانتقال الديمقراطي.

فقد كشفت الأزمة الراهنة، مدي العجز الذي تعاني منه الطبقة السياسية السودانية والتي فشلت حتى اللحظة، في إنتاج خطاب سياسي يوازي حجم المشاكل والتعقيدات التي تكتنف المشهد، ويعرف الفروقات بين الجدل التكتيكي والاستراتيجي ضمن أولويات ادارة الصراع.

التباعد بين الفاعلين في الفترة الانتقالية، خلف واقعا سديميا،انتج حالة من الاحباط وسط السودانيين، حد التشكيك في جدوى الجهود الجارية للعودة للمسار الإنتقالي.

وبما ان الفترات الانتقالية، ينظر إليها على أنها تمثل جسرا تعبر من خلاله الأوطان من نظام الحكم السابق وتركته، للتأسيس لمرحلة وبداية لعهد جديد مغايرا لما سبقه، يضع الترتيبات اللازمة لحكم اكثراستقرارا، فانها ضمن هذا المفهوم، ليست سوي وسيلة لغاية اسمى وليست هدفا في حد ذاتها، بل غير قابلة لتحمل تبعات التنافس والصراع السياسي، بإعتبار ان طبيعة فترات الانتقال التي تعقب النظم الاستبدادية، تتسم بالهشاشة والحساسية وينعدم فيها اليقين وتظل دائما مفتوحة على إحتمالات التقدم أو النكوص، ما يستوجب أن يتوخي واضعو ترتيباتها، مقاربات واقعية، حتى لا يذهب الظن بالناس إلى ان النتائج المرجوة منها، يمكن ان تماثل تلك التي يمكن تحقيقها في ظل واقع مستقر.

نجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي، والتي تعتبر رغم محدودية زمنها من أخطر الأزمان الوطنية، يتطلب ان تحدد لها مهام تاسيسية معقولة وقابلة للتنفيذ، بحيث لا يوضع على جسر الانتقال، ما يفوق طاقته من حمولة ويهدد بالانهيار عملية الانتقال الديمقراطي برمتها. هذا بطبيعة الحال، يحتاج تفهما لشروط وكيفيات إدارة المرحلة الانتقالية،لجهة ترتيب الأولويات وتحديد الاستراتيجيات للمرور الآمن من مرحلة الانتقال إلى مرحلة الاستقرار، لاسيما اذا كنا نسعي لتأسيس ثوابت بنيوية لدولة على وشك النكوص والإرتداد نحو زمن مازال ماثلا بأطيافه، ومهددا لتجربة التأسيس للدولة المدنية الديمقراطية المنشودة،

بالنظر للتجربة الإدارية خلال الفترة التي سبقت إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر للعام ٢٠٢١م، والتي اعتمدت خلالها الاطراف نموذج إداري يرتكز على مقاربة قائمة على الشراكة أو التحالف، نجد ان هذا النموذج، نجح إلى حد كبير في إضعاف قوى الردة وإلجامها، إلا انه تراجع في النهاية، بسبب اختلاف تقديرات القوى المشكلة له، لمواقعها داخل السلطة ولأسباب أخرى، في مقدمتها فقدان البرنامج الواضح لعملية العبور.

تطورات الاحداث وملابسات الواقع الراهن وإلتباساته، إلى جانب الأزمة الخانقة التى يمر بها السودان، في تجلياتها السياسية والاقتصادية والإجتماعية، تقتضي تطوير التحالف السابق، وتوسيع قاعدته السياسية والاجتماعية باعتماد مقاربة جديدة، ترتكز على تشكيل “كتلة للانتقال الديمقراطي” تضم مختلف الوان الطيف السياسي المهتم والمتفاعل مع مرحلة الانتقال الديمقراطي والمنشغل بتأسيس قواعد سياسية واقتصادية جديدة لدولة ثارت على حكامها، لتصبح هذه الكتلة، منصة لتغيير قواعد الصراع من صراع يستنزف طاقات القوى الديمقراطية، إلى صراع تخوضه هذه القوى موحدة مع المجموعات التي تمثل دولة ما قبل مرحلة الانتقال، فبدلا من إضعاف الكتلة المؤمنة بالتحول الديمقراطي، يصبح الصراع كله موجهة إلى مجموعات الردة او ممثلي النظام السابق بمعناه الاقتصادى والسياسي، باعتبار ان ذلك يمثل شرطا رئيسيا لنجاح إدارة مرحلة الانتقال الديمقراطي.
إلى جانب ذلك تحتاج القوى الديمقراطية، الانخراط في عملية تحديث، لمكافحة فيروسات التخلف ممثلة في التوجهات الجهوية والتحيزات القبيلية والإثنية، التي ما تفتأ تعمل معاولها لهدم كل تقدم، بل وتشكل ألغاما تعترض مسار التحول الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة. الدولة المرتكزة على التنمية المتوازنة والتوزيع العادل للعائدات الإقتصادية وعلى القيم الديمقراطية المرعية في العالم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان.

هذا، كما لا يمكن أن نتخيل نجاح عملية التحول الديمقراطي في ظل غياب الدور التنويري للمثقف السوداني، سواء كان بالمعنى القرامشي للمثقف (المثقف العضوي) ، أو بمفهوم المثقف المحترف، لدي إدوارد سعيد.
ومن المأمول ان يوظف المثقفون السودانيون في هذه المرحلة التاريخية،القوة الناعمة لديهم في ترسيخ عملية الانتقال الديمقراطي، والتعريف والتبشير بالقيم الديمقراطية وشرحها بالاشتغال على العقل الجمعي في تفاعلاته مع المعطيات الثقافية والسياسية والاجتماعية وغيرها، من خلال استغلال المكانة التي يحظون بها وسط المجتمع، بإعتبارههم شريحة وطنية محايدة وتعمل خارج دوائر الاستقطاب السياسي والجهوي الذي يسود راهن المشهد الوطني.

20/ إكتوبر/2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق