مقالات

فرص وتحديات التحول الديمقراطي في السودان _ (1)

علي جادالله:

لا شك الوضع الذي يمر به السودان ليس حالة فريدة أو استثنائية في تاريخ الدولة الحديثة في التاريخ المعاصر، بل يمثل جزءا من تطور التجربة السياسية خاصة في أفريقيا والمنطقة العربية.

إن العقبة الكؤود كانت ولا تزال في السودان أمام أي تحول ديمقراطي منذ الاستعمار هي الأنظمة العسكرية التي أرسى دعائمها الاستعمار، فهي بصورة أو بأخرى مؤسسة استعمارية مورثة.

من الطبيعي أن نتفهم الشعور الجمعي لأي مواطن مستعمر أن يثور مثلما ثارت حركة اللواء الأبيض بقيادة علي عبد اللطيف، تلك الحالة الثورية التي كانت توجه سهامها نحو تقويض الدولة الاستعمارية، قابلتها ردة فعل حاسمة من قبل المستعمر بأن إعادة هيكلة الجيش على نسق الجيش الملكي، وأصبح من وقتها راعياً وحامياً للإرث الاستعماري إلى غاية اليوم، بعد خروج المستعمر مخلفا قوى استعمارية وريثة في السوق والخدمة المدنية وقوة دفاع السودان التي كانت في الأساس مهيكلة على أساس التبعية.

المستعمر خلف نخبة غير جديرة بالثقة مطلقا، حتى أن ملاحظات الحكام الإنجليز كان تؤكد على ضعف وقلة كفاءة المورثين في تولي أمور الدولة.

هذا العوار الذي صاحب خروج الاستعمار دون تسوية سياسية تعالج أخطاء السياسات الاستعمارية، كان سببا جوهريا في النزاع الذي اشتعل فتيله في جنوب السودان.

هذا التقديم المستطيل قصدنا منه وضع اليد على جذور الهيمنة العسكرية في السودان بأن لها عمق مهم وتأسيسي قبل الاستقلال، حتى أن القوى السياسية التي مُهد لها لخلافة السلطة كانت مرعية لتشكل الامتداد والحارس لمستقبل مصالح الهيمنة الاستعمارية.

لا شك أن هناك قوى كانت مناهضة للمستعمر لكنها لم تكن جذرية وحامسة لمناقشة أسس بناء الدولة التي ظللنا نعاني منها لليوم،ولم يلح بارق أمل لمحادثة جدية حولها في برلمان منتخب يمثل جموع الشعب المضطهد.

كلما مرت بلادنا بفترة ديمقراطية، رغم عيوبها، كانت قوة دفاع السودان والأفندية الاستعمارية تنتظرها بتآمر سياسي ومن ثم انقلابي.
كان وصول الإسلاميين للسطة في العام 1989م، لحظة تحول كبيرة في بنية السلطة في السودان، هذه الحقبة دعت صراحة إلى معاداة التوجه الاستعماري وجندت طاقاتها للقطيعة بشعارات اسلاموية، متأثرة بخطاب النهضة الإسلامية، مثلما حدث في إيران.

لكن هذه الحقبة كانت عتبة للتمزق الداخلي الذي أرساه نميري في حقبته الثانية بعد قوانين سبتمبر 1983م الإسلامية.

كردة فعل على قوانين سبتمبر 83 تأسست الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، ضد التوجه الإسلامي والعروبي للدولة التي لا ينتمون لتاريخ كانوا على قطيعة معه منذ الاستعمار الذي قفل مناطقهم.
هذه الفترة التي روج لشعاراتها زعيمها الترابي لم تكن مرعبة للجنوبيين فحسب بل كانت مرعبة للذين عاشوا في الجانب الشمالي من القطر.

شرعنت الحركة الإسلامية بموقف (سيسوديني) لمواقفها الآيدلوجية ضد المختلفين متهمة إياهم بالعمالة والشيوعية خاصة أفندية الخرطوم في وسط السودان باعتبار أن القوة الاجتماعية تنحدر من أبناء الريف.

كانت الحرب على الجنوب حدثا مرعبا وكارثيا بصورة مروعة وفوق الخيال على سكان جنوب السودان خاصة، حيث صحبها التجنيد الإجباري والوعود الأسطورية بنعيم الآخرة فقضى طلاب نحبهم من الثانويات في حرب لا يعلمون سبب قيامها.

جندت الحركة الإسلامية الآلة الإعلامية لجهاز الدولة من التلفزيون القومي والإذاعة والصحف، وبطبيعة النظام كان كل الفضاء العام مدجناً وموجهاً لصالح حرب الايدلوجبا الخرافية.
لم يهنأ الترابي بفترة حكم كان يحلم بتأسيس إمبراطورية إسلامية على النسق الإيراني، خانه في حلمه تلاميذه من الريفيين ذوي النزعة القبلية الفجة، الذين لم يؤمنوا بأساطيره في أسلمة وعولمة الإسلام كمنافح مقاومة للنزعة الغربية المهيمنة.

لم تكن اتفاقية السلام الشامل التي أبرمت بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والمؤتمر الوطني الحاكم بقيادة الجنرال البشير إلا تعبيراً عن الضغط الدولي لإنهاء أطول الحروب في القارة الأفريقة.

حمل الإتفاق في داخله خيار تقسيم الدولة الذي كان نتيجته حتمية وفقاً للتراكم السياسي المأساوي للحرب الأهلية الطويلة والدامية.

في أجزاء السودان الأخرى كانت سياسات الاستعمار خلف الرفض للسلطة المهيمنة على الدولة منذ بداياتها.

قبل توقيع الاتفاق بثلاثة أعوام اندلعت الحرب في دارفور كتعبير عن التهميش التنموي والهيمنة السلطوية الأحادية والإقصاء المتعمد للأكثريات الأقل تعلماً وبعداً عن مركز السلطة إقليمياً وموالاة.

نواصل..

aligadalla@ymail.com

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق