مقالات

التحدي الاقتصادي والتحول الديمقراطي

د.هيثم محمد فتحي:

يُعد العامل الاقتصادي من العوامل ذات الأهمية القصوى في أي تحول أو تغير سياسي، حيث تؤثر الأبعاد الاقتصادية على عملية التحول الديمقراطي تأثيرًا مزدوجًا؛ فالإخفاق في عملية التنمية الاقتصادية هو أحد الأسباب الدافعة للتحول، وفي الوقت نفسه فإن وجود هذه التنمية الاقتصادية يوفر آفاقًا رحبة لتفعيل هذه العملية وما تنتجه من فرص إحداث هذا التحول.

التحول الديمقراطي ناتج عن رغبة السودانيين في الاندماج في المجتمع الدولي ومنظماته خاصة المنظمات الدولية المالية والاقتصادية بهدف تلقي مساعدات ومنح خارجية، خاصة وأن الدول المانحة تأخذ بعين الاعتبار درجة التقدم الديمقراطي وسجل حقوق الإنسان للدولة الممنوح لها المساعدات. فالتدهور الاقتصادي يثقل كاهل المواطنين لأنهم هم من يتحملوا عبء ارتفاع الأسعار والبطالة والديون الخارجية، كما أن التدهور الاقتصادي يهيئ بيئة جيدة لانتشار الفساد وإهدار المال العام وهروب رأس المال الأجنبي وكل الآثار السلبية المترتبة على هذه الأوضاع يتحملها المواطن.

لذا ينبغي الإسراع في إطلاق عملية اعادة اعمار الاقتصاد وتوفير ما يلزم من مواد مالية وبشرية وتقنية وتنظيمية لما لهذه المهمة من اهمية في انجاح عملية التحولات الديمقراطية في السودان
وخصوصاً العملية السياسية، وارتباطها بشكل جدي، وأن اياً منهما يكمل الآخر
ضرورة القيام باصلاحات اقتصادية تستند إلى استراتيجية تنموية تخدم التحولات الديمقراطية لتوفير مناخ ملائم وصحي للمواطنين، وهذا يتم من خلال إحداث تغيرات في البيئة الأحادية للاقتصاد السوداني وتحديثه في عملية الهدف منها توزيع عادل للثروة والعناية بالفئات الاجتماعية الأكثر تضرراً من خلال اعتماد أطر وتشريعات جديدة للنشاط السياسي في جوانبه المختلفة (السياسية الإدارية، الحقوقية..الخ) مع الاستعانة برؤوس الأموال الخارجية وتوفير شروط مناسبة لاجتذابهم لما تفرضه المتطلبات الحالية والمستقبلية.

المشروع المطروح برنامج الإصلاح الاقتصادي والذي ينفذ من قبل الحكومة الانتقالية برئاسة حمدوك وباتفاق مع المؤسسات المالية الدولية هو اجراء تغيير هيكلي في الاقتصاد لتحويله من اقتصاد دولة يعتمد التخطيط المركزي وهيمنة قطاع الدولة وادارة بيروقراطية الى اقتصاد سوق من خلال اعتماد السوق محوراً للنشاط الاقتصادي والية توجيه موارده وهذا يتطلب خصخصة في مشاريع الدولة حتى دون دراسة مسبقة وتضييق جذري لدور الدولة الاقتصادي واعطاء القيادة بذلك للقطاع الخاص والاستثمار الاجنبي.

حاجتنا ماسة لإصلاح الخلل الناتج عن سوء توزيع الثروة وفق معادلة مرضية لجميع الأطراف. إلا أن معالجة مثل هذا الخلل لن يتأتى من دون تخطي الحاجز السياسي الذي سيبقى يراوح مكانه بسبب عمق الفجوة بين الأطراف السياسية.

الاقتصاد السوداني لم تتم هيكلتة وفقاً لمتطلبات الديمقراطية الرأسمالية الغربية. فهو اقتصاد يعتمد على الدعم وخليط بين الإقطاع واشتراكية الدولة من حيث ملكية الدولة للثروة الطبيعية.

في وضع كهذا تصبح الحرية الفردية حتى في جانبها الاقتصادي مقيّدةً بتقاليد وأعراف محلية.
كما يبقى الخيار الديمقراطي مرهوناً برضا قوى اقتصادية داعمة.
وهكذا تصبح الدعوة للتحول الديمقراطي بمفهومه الغربي بمثابة القفز من نقيض إلى آخر، ومن دون تهيئة متأنية.

في البلدان التي عرفت تحولات ديمقراطية حقيقية وراسخة مثل اليابان، حققت نتائج اقتصادية واجتماعية مذهلة، والفضل في ذلك يُنسب ليس إلى تَوفّر قدر أكبر من الموارد الطبيعية (فاليابان ليس لديها موارد طبيعية)، وإنما إلى الديمقراطية. فالديمقراطيات، في العادة، لا تتعرض لمستويات أعلى من العجز في مالياتها العامة كما أنها لا تتلقى مستويات عالية من المساعدات المالية الخارجية. بل الذي يظهر هو أن مسار العمليات الداخلية الخاصة بالأنظمة الديمقراطية هي التي تكون المسؤولة عن حسن أدائها.

ويكمن أحد “أسرار” النجاح الإنمائي للديمقراطيات في قدرتها النسبية على تجنّب الكوارث، ذلك أنه نادراً ما تترك الديمقراطيات اقتصاداتها تصل إلى الهاوية.
التحول الديمقراطي الحقيقي مرتبط بالتنمية الاقتصادية، وهو يقوم على دعامتين أساسيتين: الدعامة الأولى تتمثل في أن الديمقراطية تعني تنظيم الأفراد في جماعات تنافسية من خلال نظام تعددية حزبية بهدف السيطرة على سلطة الدولة. والدعامة الثانية، إن الديمقراطية شرط أساسي لبناء الدولة الوطنية التي تستطيع مقاومة الضغوط السلبية النابعة من النظام الدولي الجديد الذي تتحكم فيه القوى الدولية الغربية، والمؤسسات المالية المانحة، وكذلك ما يترتب عليها داخليا من آثار وعواقب.

 

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق