مقالات

الأزمة الإنسانية المستمرة في السودان.. نظرة فاحصة

المستشار إسماعيل هجانة:

اليوم، يواجه السودان أزمة إنسانية ذات أبعاد كبيرة جدا تمضي دون أن يلاحظها أحد إلى حد كبير في ظل انشغال العالم بأزمات اكبر وذات ابعاد استراتيجية اوسع. وتؤثر هذه الأزمة التي اتسمت بالصراع الدامي، والانتهاكات الفظيعة واختار الملايين النزوح كملاذ أخير للنجاة، بشكل، واصبح الأطفال والنساء أكثر عرضة للخطر بشكل خاص.

يواجه السودان أزمة إنسانية على نطاق غير مسبوق، مما أدى إلى تعطيل حياة الملايين. ومما يثير القلق الكبير العدد غير المسبوق والكبير جدا من الأطفال النازحين، مما يجعل هذه أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم. وتستلزم الاهتمام واتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذا الوضع الكارثي.

ان البيانات الصادرة عن مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة (IOM DTM) تقدم لمحة سريعة عن النزوح الأسبوعي في السودان رؤية ثاقبة حول الأزمة. وقد نزح أكثر من 5.5 مليون شخص داخل السودان. لقد طالت هذه الأزمة كل جزء من السودان، وأثرت على أكثر من 6000 موقع في جميع الولايات الثماني عشرة. ومما يثير القلق أن هذه الأرقام مستمرة في الارتفاع، مع إضافة 115 ألف شخص إضافي و160 موقعًا إضافيًا في أسبوع واحد فقط. مما يعني خطورة الأوضاع التي جعلت من النزوح هو الفرصة الاخيرة بحثا عن سبل الحياة

وقد تأثرت مناطق مثل جنوب دارفور وشرق دارفور ونهر النيل والجزيرة وشمال دارفور بشدة، مما دفع الأسر إلى هجر منازلهم ومجتمعاتهم وسبل عيشهم بحثاً عن الأمان. مع استمرار المعارك والمواجهات العسكرية والقصف الجوي بالطيران خلف أضرار بالغة على المدنيين وتسببت في فقد الأرواح وتدمير الممتلكات فضلا عن الجرحى والمفقودين. وما زاد الأوضاع تعقيدا الخطاب الممنهج الرسمي الذي أدلى به والي نهر النيل ودعى فيه صراحة الى مهاجمة النازحين والتضييق عليهم. كل هذا يزيد من عدد النازحين واللاجئين الفارين من جحيم الحرب وويلاتها.

تواجه المجتمعات في السودان العديد من التحديات اليومية، بما في ذلك نقص الغذاء والتغطية الصحية والأدوية الأساسية. علاوة على ذلك، فإن مخلفات الحرب، بما في ذلك الذخائر غير المنفجرة، تشكل تهديدًا دائمًا للسلامة. وقد أدت الصعوبات في الوصول إلى مياه الشرب والتعليم وفرص العمل إلى تفاقم الصعوبات التي يواجهها الملايين.

وخارج حدود السودان، لجأ ما يقرب من 1.4 مليون شخص إلى البلدان المجاورة، وفقًا لما ذكرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لقد قام هؤلاء الأفراد برحلات خطيرة، تاركين وراءهم حياتهم المألوفة بحثًا عن مستقبل أكثر أمانًا.

يواجه تقديم المساعدات الإنسانية داخل السودان تحديات كبيرة. أهمها انعدام الأمن، والنهب، و العوائق البيروقراطية، والتميز في انسياب الخدمات الإنسانية، ومحدودية البنية التحتية للاتصالات، والقيود المالية، ونقص الموظفين الفنيين والإنسانية الموهلين للعمل وان وجدوا لم يسلموا من المضايقات والاعتقالات خاصة في المناطق التي تسير عليها القوات المسلحة، كلها عوامل تعيق إيصال المساعدة الحيوية في الوقت المناسب للمتضررين من النازحين والمجتمعات المستضيفة. التي تأثرت بصورة أكبر بالحرب بسبب الضغوط الهائلة على الخدمات المحدودة.

تفيد تقارير اليونيسف أن “الأطفال ما زالوا يتحملون العبء الأكبر من العنف. هناك حوالي 14 مليون طفل في السودان في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة. ويعيش الكثير منهم في حالة من الخوف الدائم – الخوف من التعرض للقتل أو الإصابة”. أو تجنيدهم أو استخدامهم من قبل جهات مسلحة”. وتفشت التقارير عن العنف الجنسي المرتبط بالصراع، بما في ذلك الاغتصاب، ومع اشتداد القتال في الأسابيع الأخيرة في أماكن مثل الخرطوم ودارفور وكردفان، فإن مصدر القلق الحقيقي هو أن انتهاكات حقوق الأطفال سوف تستمر في الارتفاع. وحتى الآن، تلقت اليونيسف ادعاءات بوقوع أكثر من 3100 انتهاك جسيم، بما في ذلك قتل وتشويه الأطفال.

وتؤكد اليونيسف: “لا يمكننا أن نسمح بأن يصبح موت ومعاناة ملايين الأطفال في السودان كارثة إنسانية أخرى منسية. فهؤلاء الأطفال بحاجة إلى دعمنا الآن. والأهم من ذلك كله، أنهم بحاجة إلى السلام”.

ويؤكد صندوق الأمم المتحدة للسكان كذلك على خطورة الوضع: “لقد انهارت خدمات الحماية أيضًا في الوقت الذي أدت فيه الأزمة إلى تعريض المزيد من النساء والفتيات – أكثر من 4 ملايين – لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي. وهناك تقارير متزايدة عن تعرض النساء والفتيات للاغتصاب. ويتعرضن للانتهاكات الجنسية في منازلهن أثناء بحثهن عن الأمان داخل السودان وخارجه. وتضطر العديد من النساء والفتيات النازحات إلى النوم في العراء أو في ملاجئ مؤقتة مع القليل من الحماية أو انعدامها، ولا يمكنهن الحصول على الطعام أو الماء، مما يعرضهن للخطر. خطر العنف أكبر”.وقال ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، محمد الأمين: “في كل يوم، يواجه شركاؤنا مخاطر كبيرة لتقديم المساعدة للنساء والفتيات المحتاجات. ويجب علينا اليوم أن نلتزم بتمويل استجابتنا بالكامل حتى يتمكن هؤلاء الأبطال المجهولون من الاستمرار في إنقاذ الأرواح وجلب الأمل للناس في السودان.
حتى 21 ديسمبر/كانون الأول، لم يتم تمويل نداء خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2023 سوى بنسبة 39.5 بالمائة. وتهدد هذه الفجوة التمويلية استدامة البرامج الأساسية وتؤكد الحاجة الملحة للدعم المالي لتوفير الإغاثة الفورية. إن عدم الاستجابة الفعالة والمسؤولة تمويل خطة الاستجابة الإنسانية يعد تحدي آخر يضاعف الضغوط على المتضررين من الحرب خاصة من المدنيين والعاملين في قطاع الإغاثة من المنظمات السودانية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني القاعدية التي تكافح من أجل تقديم يد العون للمحتاجين.

إن معالجة هذه الأزمة تتطلب جهوداً جماعية لتقديم الإغاثة وتمهيد الطريق لمستقبل أفضل. وعلى الرغم من التحديات الهائلة، هناك أفراد ومنظمات ملتزمون بإحداث تأثير إيجابي. معًا، خطوة بخطوة، يمكننا المساهمة في رحلة السودان نحو التعافي والقدرة على الصمود.

إننا ندعو جميع الاطراف الى الانتباه الى معاناة المدنيين وتغليب المصلحة العليا والجلوس في مائدة واحدة للحوار من اجل ايجاد مخرج لهذه الأزمة المستفحلة التي تفاقم معاناة المواطنين يوما بعد يوم.
ان التفكير بروح المسؤولية يحتم علينا ضرورة العمل على تعزيز صوت السلام وعزل الأصوات التي تنادي وتدعم خيارات الحرب ومحاصرة المستفيدين منها.

20 يناير 2024

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق