سياحة وآثار وتراثمقالات

سودانير.. هل تحلق عالياً مجدداً بقيادة قبطانها القدير كابتن إبراهيم علي أبوسن؟

بقلم/ معاوية الياس إبراهيم:

عرفته في مطلع التسعينات في إنجلترا ضمن رحلاته المكوكية وزياراته المتواصلة للإشراف على الصيانة الدورية لطائرات شركته السابقة “عزة”. قبطان قدير… خبرة منقطعة النظير.. ورجل متواضع بلا حدود.. كوميدي من الطراز الأول. تسبقه ابتسامته أينما حل وفوق هذا وذاك رجل خير بقلب كبير وأيادٍ بيضاء.
بعد انتقالي من لندن للعمل في أبوظبي انقطعت عنه لفترة تجاوزت العامين.
وعند أول حلة لي عائدا من الخرطوم الى أبوظبي اذا بنداء الطاقم يعلن عن اقتراب لحظة اقلاع الطائرة، فتفاجأت بأن الكابتن هو صديقي العزيز إبراهيم علي أبو سن. وما كان مني الا ان كتبت كلمتين فقط في قصاصة صغيرة وناولتها للمضيفة طالبا منها تسليمها للكابتن. بالطبع اندهشت المضيفة وكانت آنذاك حوادث اختطاف الطائرات تتوالى.. وخشية أن تشك المضيفة في أمري أخبرتها أنه صديقي وددت السلام عليه، خاصة أن الكلمتين في القصاصة بين يديها تبدو كشفرة لا يفهمها أحد.
قلت إنه صديق عزيز وإنه متواضع بلا حدود. لم تمر ثوان حتى فاجأنا الكابتن أبو السن وهو يتقدم المضيفة ويسألها “وينو الزول دا؟؟!”… ولفت ذلك انتباه جميع الركاب.. فلا يعرف كثيرون أن للكابتن مساعدا يتولى القيادة في غيابه. عموما كانت مفاجأة طيبة.
دعونا نعود لموضوعنا.. وهو مستقبل الخطوط الجوية السودانية بقيادة هذا الرجل القدير. فمنذ توليه دفة القيادة (على الأرض هذه المرة) بدأت الأخبار تترى عن شيء من الإنجازات، رغم الظروف المحيطة بالشركة وما شهدته من “صعود وهبوط” و” مد وجزر” في أدائها وأصولها المتواضعة.
لم أستأذن صديقي كابتن أبوسن لنشر مقالي هذا لعلمي بأنه ليس رجل أضواء.. بل تبحث عنه الأضواء في كل الأجواء. نعم التحديات كثيرة أمام الرجل من إمكانيات مادية متواضعة لاعادة بناء اسطول الشركة.. ومرورا بقضايا شائكة، عالقة، متشعبة الأطراف، منها الأجنبي والمحلي، وانتهاءا بإعادة بناء الثقة في ناقلنا الوطني الذي تكالبت عليه الظروف، السياسي منها والاقتصادي، محليا وإقليميا ودوليا، لتمثل ثقلا على جناحيه يبطء أو حتى يحول دون تحليقه عاليا.
المسؤولية جسيمة، ولكنها ليست على كابتن أبوسن ورفاقه فحسب.. بل علينا جميعا كمواطنين سودانيين لننهض معا بناقلنا الوطني.. فكلٌ له دور كمواطن سوداني يتغنى وينشد ويردد مدحة “الطائرة السودانية”.. فالمواطن في أسفاره.. والمغترب في هجرته يكون سفيرا لها.. أما الإعلامي فعليه أن يساهم في إزاحة الغبار عن جسم طائرنا هذا لينطلق بعيدا في الأجواء ليعيد مجده التليد وصيته الذائع الذي توارى لسنوات بين ضباب الأجواء المعتمة.

القومة ليك يا وطن…

السيرة المهنية لكابتن أبوسن
درس الكابتن ابوسن الطيران بالولايات المتحدة الأمريكية بسلاح الطيران الأمريكي بمنحة آنذاك لسلاح الطيران السوداني، وتخرج حينها طيارا حربيا مؤهلا علي طائرات النقل العسكرية ومنها الهيركيوليز ( C-130 ) ، الطائرة الإستراتيجية ، وكل طائرات النقل الامريكية الكبيرة ، وكذلك قيادة الطائرات المقاتلة مثل طائرة الإف ١٦ او الإف ١٥ ، أو أي نوع من أنواع الطائرات المقاتلة الأمريكية.
ونسبة لإهداء السعودية لعدد ٦ طائرات هيركيوليز للسودان في ذلك الوقت تم نقل كابتن أبوسن وبعد نيله جناح الطيران حينها ونجاحه للتأهل كطيار إلى طائرة الهيركيوليز .
بداية كابتن أبوسن الفعلية كانت بولاية تكساس الأمريكية بمدينة سان أنطونيو بقاعدة سان انطونيو الجوية ، حيث تلقى اللغة الإنجليزية التخصصية في الطيران لمدة ٥ أشهر ، ومن ثم التدريب علي طائرة ال ( T-41) وهي مشابهة لطائرة السسنا (150) واكمل فيها عدد ٢٧ ساعة تدريبية وإنفرادية .
بعدها تم تحويله إلى ولآية المسيسيبي بقاعدة كولومبوس الجوية بمدينة كولومبوس حيث تدرب علي طائرة ال (T-37) وهي طائرة تدريبية مقاتلة ومنها طائرة ال (T-37A) وهي (Sub Sonic) واستعملتها الولايات المتحدة في حروبها الخارجية، و أكمل كمندان أبوسن فيها عدد ١٧٠ ساعة متضمنة الطيران التدريبي والمنفرد ، والطيران التشكيلي القتالي ، والملاحي ، وبعد نجاحه فيها نال كابتن أبوسن جناح الطيران واصبح حينها طيارًا مؤهلًا. .
وتدرب أبوسن علي طائرة ال (T-38) وهي طائرة Super sonic أسرع من الصوت ، وتستعمل للتدريب علي المهارات القتالية ، ومطاردة طائرات العدو ، والتشكيلات الجوية الإستعراضية. والجدير بالذكر أن الطائرة كان يستعملها سلاح الطيران الأمريكي في الإستعراضات العسكرية في المناسبات المختلفة وتسمي بال (Thunder Bird) ، وأكمل فيها عدد ١٢٠ ساعة طيران ، وبعدها تخرج كطيار مقاتل مثله مثل اي طيار أمريكي مقاتل !! .


كانت هنالك حوجة ماسة لطيارين لطائرات (الهيركيوليز ) فانتقل الكابتن أبوسن إلي ولاية اركنساس لقاعدة Little Rock الجوية ، وتدرب فيها علي طائرة الهيركيوليز بما فيها الهبوط بمدرجات ترابية قصيرة ، وإسقاط مظليين وإسقاط دبابات وأسلحة ومواد تموينية للجنود في الأحراش ، وأكمل فيها عدد ٧٥ ساعة ، وتأهل بعدها تمامًا واكمل تدريبه ومن ثم تخرج كطيار مقاتلات ونقل أيضا .
عند وصوله للسودان بدأ أبوسن في الطيران علي طائرة ( الهيركيوليز ) مباشرة وعندما أصبح في رتبة الملازم أول تأهل من مساعد كابتن حينها لكابتن على ذلك النوع من الطائرات ، وكان أغلب عمله بمناطق العمليات بجنوب السودان وقتها ، وكذلك تنفيذ مهام بأوروبا وامريكا وظل يعمل بها حتي أصبح مدربًا عليها .
وحينما أهدت حكومة دولة الأمارات العربية المتحدة في عهد الراحل المشير سوار الذهب طائرة بوينغ ٧٠٧ ( بضائع ) وتم إلحاقها حينها بسودانير وأصبحت من ضمن أسطول طائراتها ، وبذلك يكون كمندان أبوسن حينها قد عمل على كل طائرات البوينغ ٧٠٧ العاملة بسودانير ، ومن ثم تم تحويل الطائرة لشركة ( نايل سفاري ) ، وبعدها لسودانير مرة أخرى ، وكان له شرف العمل مع الراحل كابتن شيخ الدين الذي عامله كأخيه الأصغر ، ومن ثم تحولت الطائرة لشركة ( ترانزارابيان ) ، وبعدها لشركة ( عزة ) والتي عمل بها وأصبح مدربا فيها .

في العام ٢٠٠٧م تأهل كابتن أبوسن على طائرة الإيربص ٣٠٠ ومن ثم ٣١٠ ، وإلتحق حينها بسودانير وعمل بها حتى أصبح مدربا شاملا عليها ، وبعد توقف الطائرتين إلتحق كذلك بطائرة الإيربص ٣٢٠ والتي أصبح أيضا مدربا شاملا عليها ، ولازال يعمل بها حتى الآن .
في الأول من مارس ٢٠١٩ تم إنتداب كابتن أبوسن بسلطة الطيران المدني السوداني في وظيفة مدير دائرة السلامة الجوية ، وعند إنتهاء صيانة طائرة سودانير الإيربص ٣٢٠ بدولة أوكرانيا وحوجة سودانير له كمدرب على تلك الطائرة أنهى إنتدابه بالطيران المدني في ٣٠/ نوفمبر / ٢٠١٩ وبعدها سافر إلى أوكرانيا وأحضر الطائرة إلى الخرطوم والآن يمارس فيها مهنة التدريب للطيارين على ذلك الطراز ومدير لإدارة العمليات بسودانير. وفي مارس من هذا العام أصدر مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية السودانية قراراً قضى بتعيين الكابتن ابوسن مديراً عاماً لسودانير خلفا لياسر تيمو الذي انتهى أمد التعاقد معه.

معاوية الياس إبراهيم
صحفي سوداني مقيم بالإمارات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق